روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | العنوسة.. خطر يداهمنا (2- 2)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > العنوسة.. خطر يداهمنا (2- 2)


  العنوسة.. خطر يداهمنا (2- 2)
     عدد مرات المشاهدة: 2135        عدد مرات الإرسال: 0

من أعجب العجب أن النسويات من أصحاب دعوة تحرير المرأة يزعمن أنهن يردن الخير والسعادة للنساء، لأنهن الأقدر والأكثر معرفة بما تحتاجه النساء وهن لا يخجلن من القول بأن النساء أنفسهن- صاحبات المصلحة الحقيقية- لا يعرفن احتياجاتهن الحقيقية، لأنهن ألفن حياة هي أقرب لحياة السجن أو حياة الاستعباد، فهن لا يعرفن حقوقهن حتى صارت دعوى الحقوق المزعومة هذه اللاتي ينادين بها أشبه بالقيد الخانق الذي يلتف حول أعناق النساء، وصار هؤلاء النسويات أشبه بالعبء القاتل الذي حط على قلوب النساء، وأصبح التخلص من وصايتهن شرطًا حتميًّا للنهوض بالواقع الحقيقي للنساء، ويكفي للتدليل على دورهن المخرب ذلك الجهد الدءوب الذي يبذلنه من أجل ضعف وإبطاء حركة الزواج في المجتمع من خلال الإجراءات القانونية المعقدة التي يرغبن في تكبيل عقد الزواج بها بدءًا من حتمية إجراء الفحوص الطبية الدقيقة وانتهاء بقائمة الشروط المطبوعة التي ستوضع في نص وثيقة عقد الزواج، تلك الشروط المحملة بخلاصة توجهاتهن وتحيزاتهن المنافية لثقافة الأمة وروح حضارتها، وهذه الجبرية القانونية هي آخر ما تم تأطيره في هذا المجال عندما لا يتحقق ما يردن من خلال المنابر الثقافية والإعلامية لتوجهات غير مقبولة جماهيريًّا فلا يجدن غير إجبار الأمة عن طريق التحيزات القانونية، وهذا أكبر دليل على أن مفهوم الحرية لديهن مبتسر ومزيف.

كثيرة هي تلك الأدبيات النسوية التي تقلل من شأن الأسرة بوصفها قيدًا وعبئًا ومؤسسة ظالمة للنساء، وكان الترويج لأطروحة تحقيق المرأة ذاتها عن طريق العمل وفي أحيان أخرى تم اعتبار الأسرة أحد أهم المعوقات للنجاح الشخصي للمرأة.

العجيب حقًّا أن بعض المحسوبات على المشروع الإسلامي، خضعن لهذه الدعاية الإعلامية المكثفة، وتبنين هذه الرؤية، بل وحاولت بعضهن لي أعناق النصوص لإضفاء مشروعية على هذه التوجهات، وكانت النتيجة انفجار أزمة العنوسة بصورة غير مسبوقة، دون أن تحرك هؤلاء النسويات ساكنًا للتفكير في حل هذه الكارثة التي أسهمن في صنعها ببراعة، فالمشكلات النفسية التي تعانيها ملايين النساء اللاتي يبحثن عن الزواج خارج دائرة تفكير هؤلاء المتغربات.

 

قلوب باكية:

 

إنها قصص حقيقية معجونة بأرض الواقع، متشحة بالدموع والقلوب الباكية أحيانًا في صمت حزين، وأخرى بنشيج من الآهات المتوجعة، عن ماذا أحكي؟! عن ملايين القصص- عفوًا- المآسي الاجتماعية المتلبسة ثوب امرأة، حقًّا لقد طال تأخر سن الزواج لكل من الرجل والمرأة، ولكن مساحة الحرية والاختيار تبقى متاحة للرجل بصورة واضحة، وليس من المبالغة أن نقول إن تأخر زواج الشاب هو أمر اختياري أو شبه اختياري، وإن الكثير من الشباب يسعى وراء طموحه الشخصي، أو حلم الثراء، أو تحقيق قدر من الوفرة المالية، لذلك يؤخر زواجه، أما الفتاة فهي الضحية الأولى لكل هذه التعقيدات، وعلى سبيل المثال هذه الفتاة التي تجاوزت الخامسة والثلاثين دون أن تلوح لها في الأفق بادرة لتكوين أسرة، وتحقيق حلمها في طفل صغير يقول لها (أمي)، كم تملك من رصيد سنوات العمر الخصبة التي تحقق لها هذا الحلم، ففي الوقت الذي يستطيع الرجل الإنجاب في سن متأخرة لا تملك الفتاة هذه الفسحة من الوقت، لذا فإن أحزانها أكثر ألمًا ومشكلتها أكثر إلحاحًا.

منذ أيام التقيت فتاة جامعية في أوائل العشرينيات من عمرها، وقد اسودت الدنيا في عينيها، بعد أن تملك اليأس من قلبها، وأخذت تشكو لي من حالتها الإيمانية المتدهورة، ويأسها من إصلاح ذاتها، وأنها تتمنى الموت، وكنت خلال حواري معها أحاول أن أستشف السبب الحقيقي لحالة الزلزلة التي اعترتها وجعلتها في هذه الحالة من الدمار النفسي، وتمامًا كما توقعت فهذه الفتاة يهفو قلبها للزواج ولديها رغبة في الاستقرار النفسي والجسدي مما أوقعها في قبضة الخيال المرضي وأحلام اليقظة التي جعلتها في حالة أشبه بالغيبوبة، فأهملت واجباتها الدينية والدراسية وهجرت الحياة الاجتماعية وانتهى بها الحال إلى ما حكيناه.

قد يكون من الحق والصدق القول بأنه على هذه الفتاة تقوية إيمانها وألا تيأس من رحمة الله، وأن تتمسك بأهداب الأمل، ولكن أليس من البدهي- أيضًا- أن نقول إن إشباع هذه الغريزة الفطرية هو الحل المثالي الذي سيمثل نقلة نوعية في حياة هذه الفتاة، وأن تيسير هذا الإشباع هو مهمة مجتمعية من الطراز الأول.

أما النسويات فلا يشعرن بهذه القلوب الحزينة سنراهن من برجهن العاجي يقلن على هذه الفتاة أن تحقق ذاتها بالعلم، والعمل، وممارسة الأنشطة، وسنجد في الدوريات الفاخرة- بأموال المعونات الأجنبية بالطبع- توجهين للحل، أحدهما يدعو هذه الفتاة وأمثالها إلى الاستعلاء على هذه الفطرة حتى يتم الزواج بالصورة المثالية التي ينشدن.

أما التوجه الثاني، الذي ارتفع صوته كثيرًا مؤخرًا، فهو يغري هذه الفتاة ومن في مثل حالتها، إلى ممارسة الرذيلة لتسكين حدة ما تشعر به، وهم لا يقولون ندعوك إلى الرذيلة، ولكنهم يقولون بحرية الجسد الإنساني، وأن جسد المرأة ملك خاص لها، ويسخرون من مفهوم الخطيئة، ويعتبرون أن الحياة تجارب ومن حق الفتاة تكوين تجربتها الخاصة و.. و...

 

دعوة للإيجابية:

 

إذا كانت العنوسة خطرًا داهمًا يحدق بنا، لما له من آثار وخيمة على بنيتا الاجتماعية، وإذا كانت هذه المشكلة بمثابة ظاهرة في مجتمعاتنا تتجاوز بكثير الحالات الفردية، فلا بد إذن من السعي الإيجابي لتفكيك هذه الظاهرة الملغمة، ولا بد من تحرك أصحاب المشروع الإسلامي لحل هذه المشكلة ووضعها على رأس أولويات العمل في الفترة المقبلة.

علينا بذل جهد ضخم لتيسير الزواج ولتكن الدعوة لبساطة الأفراح والبيوت عملية.. نفخر أمام الجميع بتكلفة زواجنا البسيطة بوصفها أحد محكات الالتزام والتدين، وإذا كانت هذه البساطة هي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن تجديد هذه السنة في عصرنا هذا أصبح مؤكدًا، لأنها وسيلة فعالة لمنع شر مستطير قد يدمر منظومتنا القيمة.

ليت جمعياتنا المهتمة بهذه القضية ترفع شعارًا تحدد فيه مبلغًا بسيطًا لتكلفة الزواج وفقًا لظروف كل بلد إسلامي.

ليت كل أب يتذكر شيخ مدين الذي بحث لابنته عن القوي الأمين.

ليت كل امرأة تزوجت تأخذ على عاتقها أن تعف فتاة أخرى وترشحها للزواج في دائرة معارفها من باب الشكر العملي للنعمة.

وأخيرًا، لابد من التصدي لجهود النسويات ودعاة الانحلال بالطرق القانونية، والثقافية، والإعلامية المتاحة، لتثبيط خططهم ورفع مناعة ومقاومة المجتمع المسلم.

 

الكاتب: فاطمة عبد الرءوف.

 

 

المصدر: موقع رسالة الإسلام.